في يوم مثل هذا، قبل 41 عاماً، فقدت تونس أحد أبرز رموز نضالها السياسي والقانوني، المحامي الصادق الهيشري، الذي وُجد ميتاً في مكتبه بتونس العاصمة عام 1984 في ظروف غامضة لم تُكشف حقيقتها حتى اليوم. رحل الهيشري جسداً، لكن إرثه النضالي ظلّ شاهداً على حقبة من الكفاح من أجل العدالة والحرية.
مسيرة حافلة بالتحديات
وُلد الصادق الهيشري في بوعرادة ، تلك البلدة الصغيرة التي أنجبت رجلاً كرّس حياته للدفاع عن المظلومين والقضايا العادلة. منذ شبابه، انخرط في العمل السياسي، وانضم إلى حزب البعث ذي التوجه القومي العربي، حيث أصبح أحد أبرز وجوهه في تونس. لم يكن نضاله سياسياً فحسب، بل كان أيضاً مدافعاً شرساً عن حقوق الإنسان، حيث أسس فرعاً للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في منطقته، وساهم في إطلاق مجلة ثقافية وفرقة مسرحية ترفع صوت المقهورين.
السجن والنفي والملاحقة
لم يكن طريق الهيشري مفروشاً بالورود؛ فقد اعتُقل في سن السادسة عشرة بعد مشاركته في تظاهرة تضامنية مع فلسطين، وحُكم عليه بأربع سنوات سجن وخمس سنوات إقامة جبرية. لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة نضاله، فهرب إلى الجزائر حيث أكمل تعليمه وعاد لاحقاً إلى تونس لدراسة القانون وممارسة المحاماة، مدافعاً عن المعتقلين السياسيين وضحايا القمع.
الموت الغامض وإرثٌ لم يُدفن
في 20 يونيو 1984، وُجد الصادق الهيشري ميتاً في شقته بتونس، وسط شكوك كبيرة حول تورط الأجهزة الأمنية أو أطراف خارجية في تصفيته. رغم مرور أكثر من أربعة عقود، لم تُجرَ تحقيقات جادة لكشف الحقيقة، وظلّ ملفه أحد الملفات العالقة في ذاكرة التونسيين.
اليوم، يُحيي أهالي بوعرادة والناشطون ذكراه، مطالبين بتسمية مكان عام باسمه، لكن السلطات المحلية ترفض، في إشارة إلى أن الصراع حول الذاكرة ما زال مستمراً.
الصادق الهيشري لم يكن مجرد سياسي أو محامٍ، بل كان رمزاً للمقاومة والكرامة في زمن تُحاول فيه بعض الأطراف طمس الذاكرة، تبقى ذكراه تذكيراً بأن النضال من أجل الحقيقة والعدالة ليس له تاريخ انتهاء. “الشعوب التي لا تحفظ ذاكرتها تُكرر أخطاءها” في ذكراه، نستذكر أن القضية العادلة لا تموت بموت رجالها، بل تظلّ شعلة تُضيء الطريق للأجيال القادمة. !
عمر الوسلاتي