بورتريه كمال الرياحي: حين يتحوّل ابن سليانة إلى أيقونة أدبية عابرة للقارات

من معهد بوعرادة الثانوي إلى آفاق الأدب العالمي ينحدر كمال الرياحي من ولاية سليانة  التونسية، حيث بدأت مسيرته بين جبال الوسط التونسي، ليرسم لاحقًا اسمه بحروف من ذهب في سجل الأدب العربي والعالمي. لم يكن مجرد روائي، بل مثقفًا متعدد الأوجه: ناقدًا، وأستاذًا، ومديرًا لورشات الكتابة، وإعلاميًا، ومؤسسًا لمشاريع ثقافية رائدة في تونس والعالم العربي.
مسيرة علمية وإبداعية حافلة:  بعد تخرجه في تونس، انتقل الرياحي إلى كندا، حيث أصبح أستاذًا للكتابة الإبداعية في جامعة كارلتون  بأوتاوا، ودرّس أدب السيرة الذاتية وفن اليوميات في جامعة تورنتو. كما شغل عضوية منظمة القلم الكندي
(PEN Canada)، وأسس المركز الثقافي “بيت الخيال” في تورنتو، ليصبح جسرًا بين الثقافتين العربية والغربية. في تونس، ترك بصمته كمدير لدار الثقافة ابن خلدون وبيت الرواية (أول مؤسسة من نوعها في العالم العربي)، كما أشرف على قسم الترجمة في المعهد العالي للترجمة بالجزائر. ولم يتوقف عند ذلك، بل أسس مختبرات إبداعية مثل”بيت الخيال” لتعليم الكتابة الأدبية والصحفية، معتمدًا خبرته الطويلة في الإعلام والتدريس.
إعلامي ومثقف متعدد المواهب: عُرف الرياحي في المشهد الإعلامي ككاتب مقال رأي وناقد أدبي، ومراسل لصحف عالمية، بالإضافة إلى عمله مقدمًا للبرامج الثقافية في الإذاعة والتلفزيون التونسي. كما ترأس تحرير عدة صحف، منها “الواشنطوني العربي”، مما جعله صوتًا مؤثرًا في النقاش الفكري والسياسي. إبداع متنوع بين الرواية والنقد أصدر الرياحي نحو 16 كتابًا بين الرواية، والقصة القصيرة، والنقد الأدبي والسينمائي، فضلًا عن اليوميات والمقالات الفكرية. ومن أبرز أعماله: – “المشرط” (رواية، 2006) – فازت بجائزة الكومار الذهبي وترجمت للإيطالية والعبرية. – “الغوريلا” (2011) – نُشرت بالإنجليزية والإيطالية. – “واحد صفر للقتيل” (2018) – حصلت على جائزة ابن بطوطة لفن اليوميات. -“البيريتا يكسب دائمًا” (2020) – رواية لاقت صدًا نقديًا واسعًا. كما شارك في عشرات الكتب الجماعية، وترجمت أعماله إلى لغات عديدة، منها الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية، السويدية، وحتى الكرواتية والفارسية.
جوائز وتكريمات عالمية:  حصد كمال  الرياحي جوائز مرموقة، مثل: – جائزة “بيروت 39” لأفضل كاتب عربي تحت الأربعين (2010). – جائزة أكاديميا لحرية الإعلام (2015) عن برنامجه التلفزيوني “بيت الخيال”. – جائزة ديوان العرب للقصة القصيرة (2005).
إرث أكاديمي وأدبي خالد:  تُدرّس أعمال الرياحي في جامعات عربية وأجنبية، من ألمانيا إلى كندا والهند، وكُتبت عنها أطروحات علمية عديدة. وهو اليوم، رغم إقامته في كندا، يظل سفيرًا للأدب التونسي، منحوتًا في ذاكرة الأدب العالمي كواحد من أبرز
الأصوات السردية العربية المعاصرة. كمال الرياحي  ليس مجرد كاتب، بل مشروع ثقافي متكامل، يجسد قوة الكلمة في تجاوز الحدود الجغرافية والهويات الضيقة، حاملًا معه روح تونس وحكاياتها إلى العالم.
بقلم عمر الوسلاتي