بقلم ايناس بوحلي
نحو التناغم بين التعليم والسياسة الاقتصادية القائمة على المبادرة الحرة
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في السياسات التعليمية والتربوية، وجعلها أكثر انسجامًا مع التوجهات الاقتصادية للدولة، وخاصة في ما يتعلق بدعم الاقتصاد الحر وتشجيع المبادرة الفردية والاستثمار الخاص. ومن هذا المنطلق، تكتسي مسألة إدراج ثقافة الاستثمار والريادة ضمن المناهج التعليمية أهمية قصوى، باعتبارها خطوة استراتيجية نحو بناء جيل واعٍ، مستقل اقتصاديًا، ومبادر.
لقد ظلت المنظومة التعليمية التونسية لعقود طويلة تهيّئ التلميذ والطالب لولوج سوق العمل الحكومي، باعتباره المسار “الآمن” والمضمون. وقد أفرز هذا التصور عقلية ترتكز على انتظار فرص التوظيف، بدل صناعتها، مما ساهم في تفاقم نسب البطالة، خاصة في صفوف حاملي الشهادات العليا. في المقابل، يشهد العالم اليوم ثورة معرفية واقتصادية، تقوم على دعم المبادرات الحرة، والمشاريع الصغرة والمتوسطة، والابتكار في جميع المجالات.
إن ترسيخ ثقافة الاستثمار منذ المراحل التعليمية الأولى يُعد رهانًا حقيقيًا لتغيير العقليات، وتحفيز روح المبادرة لدى الناشئة. ويشمل ذلك التعريف بالمفاهيم الأساسية للاقتصاد الحر، وآليات بعث المشاريع، وأهمية تحمل المسؤولية، والمخاطرة المدروسة، والتخطيط المالي، وتثمين الموارد المحلية. كما يمكن إدراج مواد أو أنشطة تطبيقية تُعرّف التلاميذ على قصص نجاح محلية ودولية، وتفتح أمامهم آفاق التفكير في مشاريعهم المستقبلية بعيدًا عن التوظيف الكلاسيكي.
ومن شأن هذه الخطوة أن تخلق انسجامًا بين ما يتعلمه الطالب وبين ما تطرحه الدولة من برامج اقتصادية تعتمد على الاستثمار الخاص كقاطرة للنمو، بما في ذلك الحوافز والتشجيعات الممنوحة لرواد الأعمال الشبان. كما تتيح هذه الثقافة للمجتمع التونسي تجاوز العديد من المعضلات الاقتصادية، وتحقيق تنمية جهوية متوازنة عبر تمكين الشباب في الجهات الداخلية من خلق مواطن شغل محلية بدل الهجرة نحو العاصمة أو الخارج.
وفي الختام، فإن إدماج ثقافة الاستثمار في المناهج التعليمية ليس ترفًا فكريًا، بل هو ضرورة تنموية تفرضها المرحلة، وتستوجب تظافر الجهود بين وزارات التربية والتعليم العالي، ووزارة الاقتصاد والاستثمار، والهياكل المعنية بدعم المبادرة الخاصة، من أجل إعداد جيل قادر على خلق الثروة، وتحقيق التنمية المستدامة.