صباح الخير يا تونس،
إن المجتمع المنغلق يمثل بيئة تُستَفحَل فيها ثقافة الوصم والشتم كوسيلة لمواجهة كل فكر أو وجهة نظر تختلف عن تلك المهيمنة. فبدلاً من احتضان التنوع، يتم استهداف كل فرد يتميز بآراء أو خصائص مختلفة، إما من خلال القمع المباشر بواسطة أدوات السلطة التي تُبدد ثقافة الرأي الواحد، أو عبر الصاق تهم ونعوت سلبية مثل “بثقفوت”، “أصولي”، أو “رجعي”. كما يتعرض الأفراد للهجوم بناءً على مظهرهم أو ميولهم الشخصية أو حتى لون بشرتهم.
النساء يعانين بشكل خاص من هذا الإقصاء، وخاصّة في ظل مجتمعات ذكورية، حيث تُصنف المرأة الحرة بأنها “فاجرة” أو “متبرجة”، بينما تواجه المحجبة وصمًا بأنها “متخلفة” أو “رجعية”. من جهة أخرى، يُعتبر المتمسك بالحرية “فوضويًا”، ومن يدعو لحقوق النساء يُتهم بأنه “ديوث”.
كما أشار توفيق الحكيم في روايته “المعذبون في الأرض”: “لا تصلح المجتمعات إلا إذا رعت الفكرة، وأعطت للفرد الحق في الاختلاف”. في هذا السياق، نحن بحاجة للتأمل فيما يعنيه أن نعيش في مجتمع يُقدّر التنوع ويشجع على الحوار البناء.
في هذا المناخ المسموم، نجد أن النخب الثقافية والسياسية ليست بعيدة عن إنتاج الإقصاء. أورويل في “1984” يسرد كيف أن السلطة تسعى إلى تحقيق السيطرة من خلال مصادرة الأفكار المختلفة وفرض رأي واحد: “ليس هناك سوى الحقيقة التي تفرضها السلطة. أما ما دون ذلك فليس إلا خيانة.”
تظهر في أعمال أحمد سعداوي في “الخيمة” الآليات التي يواجهها الأفراد المختلفون في المجتمع، حيث تتسلط الأضواء على قدرة المجتمع على نفي كل ما هو خارج عن المألوف، كما يكتب: “إنّ الخروج عن السرب يعني السقوط في جحيم اللامساواة والتمييز.”
تظهر هذه الأعمال الأدبية قوة الإقصاء وكيف أن إنكار التنوع يقوض مجتمعات بكاملها، ما يؤكد الحاجة الملحة لتحقيق التفاهم والاحترام المتبادل بين جميع الأفراد. إن إنكار الاختلاف يغذي الصراعات ويُعَطّل فرص بناء مجتمع يمكنه العيش سوياً بسلام، رغم تنوع ثقافاته وهوياته وألوانه.
بقلم عمر الوسلاتي