عمر الوسلاتي
ليست القوانين إلا تعبيراً عن حاجةٍ اجتماعيةٍ ملحة، وُلدت من رحم الخوف على الأمن والحياة المشتركة. فحين تجمّع البشر على رقعةٍ ترابيةٍ واحدة، وشكّلوا ما نسميه “دولة”، أصبح التشريع ضرورةً لضبط العلاقات بين المواطنين والدولة، وبين الأفراد أنفسهم. لكن هذه القوانين، التي يفترض أن تكون ضامنةً للحقوق والحريات، تتحول في كثير من الأحيان إلى أداةٍ للقبض على الحريات، لا لصيانتها. في الأنظمة العربية، غالباً ما تُصاغ التشريعات انعكاساً لرؤية سياسية ضيقة، تضع السلطة الحاكمة فوق كل اعتبار. فالقانون هنا لا يُسنّ لتنظيم الحياة المشتركة، بل لترويض إرادة الأفراد، وكبح أي تمرد محتمل. الحرية الفردية تُعتبر تهديداً وجودياً للسلطة، بغض النظر عن لونها السياسي، ولذلك تُختزل فكرة “العدالة” في مجرد تطبيق نصوص جامدة، هدفها الأوحد حماية النظام، لا الإنسان.
لكن العدالة الحقيقية لا يمكن أن تُختزل في نصوص قانونية جافة. إنها مفهومٌ أوسع، يستمد روحه من تصور المجتمع الحر، الذي يقدس الكرامة الإنسانية قبل كل شيء. العدالة لا تتحقق بمجرد وجود محاكم تراقب التطبيق الحرفي للقانون، بل تحتاج إلى قوانين مرنة تعكس تطلعات الناس، لا خوف الحكام. لن تكون هناك عدالة حقيقية في ظل تشريعات متحجرة، ولا في ظل أيادٍ مكبلة بقيود السلطة، ولا في ظل عقليةٍ ضيقةٍ تتعامل مع القانون كأداة عقاب، لا كضمانة لحقوق الإنسان.
فالعدالة، في النهاية، ليست مجرد نصوص مكتوبة، بل هي ثقافة، وهي ممارسة يومية، وهي قبل كل شيء إيمانٌ بأن الحرية والكرامة هما الأساس، لا الاستثناء.!
بقلم عمر الوسلاتي