شهيدات الكميونة.. دماؤهنّ زيتون الأرض

عمر الوسلاتي ..
شهيدات الكميونة.. دماؤهنّ زيتون الأرض
في ذكرى شهيدات الكميونة،سقطنَ كقطرات العرق على أرض الوطن،وتناثر زيتونُ كفاحهنّ وخبزُ تضحياتهنّ،مُعجونًا بزيت المقاومة والصمود.بقايا أجسادٍ علقت بأخشاب سيارة الموت (404)،وصوتٌ يعلو فوق النحيب:
“لا تذكُرْنَ الألم.. اذكُرْنَ الثورة!”حقول القمح بكَتْ لفراقهنّ،وثار كلّ حقوقي وسياسي ونقابي،كلّ صحفي ومحامٍ وقاضٍ شريف.
في المدرسة، رفع الأطفال علماً من دم الفلاحات،وكسرة الخبز التي كانت آخر ما تمسكت به الأيادي الصامدة.
في الكفّ الأسود،بقيت حبة زيتون وحيدة تصارع الموت،قبل أن تلفظ الناجية الأخيرة أنفاسها،وتصعد أرواحهنّ أعلاماً في سماء العدالة.رأيتُ الفلاحات اليوم في شارع الثورة يشيّعن أيديَهنّ المتشققة،وأقدامَهنّ الحافية إلى مقبرة الذكرى،بينما المسؤولون يزمجرون في مكاتبهم المكيّفة،يلعنون الفقر في آخر نشرة أخبارية واليوم،نبتت أرواحهنّ في شوارع العاصمة،يكتبن الوصية بحبر التضامن:
“من سيموت غداً في الحقول البعيدة؟”أطفالهنّ يواصلن المسيرة،
قبل أن يسقط الجدار على الأجساد الهزيلة..
لكنهنّ يبنين الوطن من جديد،بكل حبة قمح،
وبكل لون من ألوان النضال.!

هذا حيث تم يوم، الأربعاء 7 ماي 2025، تنظيم مسيرة جماهيرية شاركت فيها أكثر من 250 عاملة فلاحية قَدِمن من مختلف ولايات الجمهورية. وانطلقت المسيرة من شارع الحبيب بورقيبة وصولًا إلى ساحة حقوق الإنسان بالعاصمة، في تحرّك رمزي يكرّم أرواح شهيدات “الكميونة”،ضحايا حوادث شاحنات النقل العشوائي، وانتظم المؤتمر الثاني لحراك “أصوات عاملات الفلاحة”، الذي احتضنه قصر المؤتمرات بالعاصمة تحت شعار: “الاعتراف بمهنة عاملة في القطاع الفلاحي”.

تكريم الشهيدات وافتتاح مؤتمر الحراك: 

جاءت هذه التظاهرة تكريمًا لعاملات فقدن أرواحهن في ظروف نقل مهينة وخطرة، كما مثّلت مناسبة لإطلاق فعاليات المؤتمر الثاني لحراك “أصوات عاملات الفلاحة”، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على معاناة العاملات ودفع الدولة للاعتراف بحقوقهن.

مطلب أساسي: الاعتراف بمهنة “عاملة في القطاع الفلاحي”:

في هذا الإطار، أكدت سارة بن سعيد، المديرة التنفيذية لجمعية “أصوات نساء”، أن المطلب الجوهري للمشاركات يتمثل في الاعتراف الرسمي بمهنة “عاملة في القطاع الفلاحي”، معتبرة أن القوانين الحالية، مثل القانون عدد 51 والمرسوم الرئاسي عدد 4، لم تنعكس بشكل فعلي على أوضاع العاملات، التي ما زالت تتسم بالهشاشة والتهميش.

وشدّدت بن سعيد على ضرورة الاستماع إلى قصص عاملات الفلاحة، مؤكدة أنهنّ “لسن مجرد أرقام، بل هنّ نساء لهن تجارب إنسانية تستحق أن تُروى ويُلتفت إليها”، معبّرة عن اعتزاز جمعية “أصوات نساء” بمرافقة هؤلاء النساء في نضالهن من أجل العدالة الاجتماعية.

معركة مستمرة من أجل الحقوق والملكية:

وأشارت المديرة التنفيذية إلى أن الطريق لا يزال طويلًا أمام تحقيق العدالة، خاصة وأن النساء لا يمتلكن سوى 4% فقط من الأراضي الفلاحية، في حين أنهن يشكّلن العمود الفقري للإنتاج الغذائي الوطني، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة للسياسات الزراعية والاجتماعية في تونس.

 

بقلم عمر الوسلاتي