في زمن اللاحدث،مشاهد جميلة وعقول فارغة!

بقلم عمر الوسلاتي
تحوّلت الأحداث إلى مجرّد فرقعات إعلامية، تتناقلها الأقلام والمواقع بسرعة مفرطة، دون أن تترك أثراً حقيقياً في الوعي أو الواقع. التأثير الوحيد الباقي هو ترسيخ الإحساس بالعجز الجماعي.
لقد هيمنت أدوات الاتصال الشعبوية على الفضاء العام، وأزاحت محاولات التأسيس الفكري الرصين، لتحلّ محلّها لحظات متعة عابرة، يلهث وراءها الناس عبر نشر الصور والبثوث الحيّة من الشواطئ والمنتجعات والمواقع “الجميلة”، حيث يُمحى المكان من الذاكرة ليُستحضر فقط بوصفه خلفية لرغبة ذاتية في الإشباع اللحظي، والاستعراض أمام “أصدقاء” من عالم افتراضي، لا يجمع بينهم شيء سوى وهم الترابط.
لقد أصبحت المشهدية والشعبوية أدوات الاتصال الأكثر رواجاً. ففي عالم صار فيه التفاهة رأسمالاً رمزياً، كما وصفت حنة آرندت، تنتصر الرداءة لأنّها الأسهل استهلاكاً والأكثر متابعة. لم يعد الفعل السياسي، حسب آرندت، محكوماً بالفعل الجماعي الواعي أو بالنقاش العمومي الرصين، بل صار مهدّداً بما سمّته بـ”تفاهة الشرّ” التي لا تُمارَس بالضرورة عن سابق إصرار، بل من داخل مناخ من اللامبالاة والامتثال.
وفي ظلّ هذا الانحدار، تصطدم بعض الأقلام الحرة بجدار الصمت أو الهجوم، لا لأنها باطلة، بل لأنها تحاول الدفاع عن المعنى المفقود وسط ضجيج المعاني الزائفة. إنّ ما نراه اليوم ليس غياب الأفكار فقط، بل اختناقها في ضوضاء العرض، حيث لم يعد الناس فاعلين سياسيين، بل متفرجين مهووسين باللحظة، وهو ما حذّرت منه آرندت حين اعتبرت أن فقدان القدرة على التفكير النقدي هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الحرية الإنسانية.