بمناسبة افتتاح السنة القضائية
قلم القاضي… صونٌ للحق وأمانة للعدل
في رحلتي القضائية التي تمتد اليوم على مدى ثلاثةٍ وعشرين عامًا، ما زلتُ أشعر بالرهبة كلما فتحت ملفًّا جديدًا. بين أوراقه تختبئ أصواتٌ متداخلة وآهاتٌ صامتة، وأرى المتقاضين وقد أثقلتهم السنون يترقبون منطوق الحكم بقلوب يملؤها الرجاء.
خلال هذه السنوات سعيتُ ما استطعتُ إلى إنصاف الناس، وبذلت جهدي لأُسهم في حسم النزاعات بما يتيحه القانون ويكرّس العدالة. ومع ذلك، تبقى خشية أن يضيع حقٌ في غفلة أو أن يقود تأويل غير دقيق إلى ظلمٍ لا يُجبر. فالله وحده المعين على الصبر أمام كل أشكال الحيف.
أكتب اليوم إلى كل قاضٍ يمسك قلمه، وبين يديه مصائر الناس وحرياتهم وحقوقهم، ليتأمل مليًّا قبل أن يسطر حكمًا قد يغيّر حياة إنسان. لا تغترّوا بالسلطة التي بين أيديكم، فحريات الناس وحقوقهم أمانة عظيمة. لا تتسرعوا، ولا تجعلوا كرهكم لفعلٍ أو انتماءٍ سببًا للحكم. تجرّدوا من الأحكام المسبقة، وانظروا إلى الحقيقة كما هي.
ما يبقى لنا نحن القضاة هو إنصاف المظلوم وقول الحق، كل الحق، بلا التباس أو تردّد. لقد عرفت قضاةً أجلاء، وإن فرّقتنا المسافات، فإن خسارة أحدهم تعني خسارة صوتٍ آخر يصدح بالحقيقة بلا مواربة، ويثبت أن القضاء ليس وظيفة، بل رسالة حياة وشعاع أمل يلوح في نهاية النفق الطويل من الإجراءات المعقدة.
إن القضاء رسالة سامية، جوهرها إنصاف المتقاضين ومنح الأمل. أعطوا الفرص لمن زلّت بهم القدم من الشباب، فهم طاقة إنتاج وإبداع تحتاجها البلاد. وليكن قلمكم دائمًا صوت الحق، بعيدًا عن الخوف والطمع والمناصب. فكل شيء إلى زوال، ولا يبقى إلا ما نقدمه لمجتمعنا من أمانٍ يصون حياتهم وحرياتهم.
بقلم عمر الوسلاتي