محكمة الاستئناف بسليانة: انتصار للحقوق الشرعية وتطبيق سليم للدستور

محكمة الاستئناف بسليانة: انتصار للحقوق الشرعية وتطبيق سليم للدستور
بتاريخ 10 جوان 2025، أصدرت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بسليانة قرارًا قضائيًا يُعدّ من أبرز القرارات التي كرّست احترام الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة، وذلك في القضية عدد 757 …،الصادر فيها الحكم بتاريخ 10جوان 2025
نقضت فيه المحكمة الحكم الابتدائي، والقضاء من جديد بعدم سماع الدعوى لبطلان إجراءات التتبع، لما شاب الأبحاث من إخلالات إجرائية جوهرية تمسّ نزاهة الإثبات وحقوق الدفاع.
وقد بيّنت المحكمة في تعليلها أنّ ملف القضية خلا تمامًا من الأذون القضائية اللازمة التي تبيح تفتيش الهاتف الجوال للمتهم أو النفاذ إلى حساباته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اقتصر الإذن الصادر بتاريخ 13 ديسمبر 2023 على تفتيش المنزل فقط، ولم تكن هناك حالة تلبس تبرر هذا الإجراء الاستثنائي. وهو ما جعل كل المعطيات والأدلة المستخرجة دون إذن مكتوب عديمة الحجية القانونية.
واستند القرار إلى مبدأ نزاهة الإثبات كركيزة أساسية في المادة الجزائية، معتبرًا أن العدالة لا تقوم إلا على أدلة قانونية مشروعة تم جمعها وفق ما يقتضيه القانون، وأن أي انحراف إجرائي يمسّ من هذه النزاهة يؤدي حتمًا إلى بطلان التتبعات. وقد ذكّرت المحكمة بمقتضيات الفصل 199 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي ينص على بطلان كل الأعمال المخالفة للقواعد الأساسية أو المنافية للمصلحة الشرعية للمتهم.
كما جاء الحكم منسجمًا مع أحكام الفصلين 30 و55 من دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022، اللذين يكرّسان حرمة الحياة الخاصة وضمان الحقوق والحريات وعدم تقييدها إلا بقانون ولضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية، مع احترام مبدأ التناسب بين الإجراء والغاية منه. وبذلك رأت المحكمة أن تتبّع المتهم دون إذن قضائي مسبق يشكل خرقًا لهذا المبدأ الدستوري، ويجعل الدعوى فاقدة لأساسها القانوني.
ويُبرز هذا القرار كيف أصبح القضاء التونسي يجتهد في ضوء الدستور والمعايير الدولية لحماية كرامة الأفراد وضمان سلامة الإجراءات، في انسجام مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية بموجب القانون الأساسي عدد 6 لسنة 2024.
إن محكمة الاستئناف بسليانة بهذا الحكم أكدت أن العدالة ليست فقط وسيلة للعقاب، بل هي أيضًا حصن لحماية الحقوق، وأن القاضي هو الحارس الأول للحريات الفردية قبل أن يكون منفّذًا للعقوبة. قرار يُعيد الاعتبار لجوهر المحاكمة العادلة ويعكس وعيًا قضائيًا متقدمًا بأن صون الحقوق لا يتناقض مع حماية المجتمع، بل هو شرطها الأساسي.
بقلم عمر الوسلاتي