من بوعرادة إلى تونس: رواية ‘بابونج’ لجميلة الشريف تشعّ في معرض الكتاب

عمر الوسلاتي
رواية الكاتبة جميلة الشريف مركبة ومربكة تتداخل فيها الذاكرة، الصدمة، والهوية الأنثوية ضمن إطار اجتماعي مليء بالتناقضات. المشهد الذي يمسح فيه الشيخ عباس الدم من وجه البطلة بينما يتجاوز الحدود الجسدية (“كم أنت لا طرية وشهيّة…”) يكشف عن انتهاك مقنع بالعطف، حيث تُجبر الفتاة على مواجهة عنف جسدي ونفسي في آن واحد. ترمز بقايا الدم (“دم الديك الأحمر”) إلى فقدان البراءة، بينما تشير العبارات الزراعية (“بستان تفاح ورمان”) إلى جسد الأنثى المُستَغل كأرض تُحصَد . و ذاكرة البطلة المتقطعة (“إشراقان متتالية تطلّ عليّ من نوافذ مختلفة”) تعكس تشظي الوعي بعد الصدمة، حيث تتذكر تفاصيل جامعتها وندوتها عن “المرأة المبدعة” بينما تفقد السيطرة على حاضرها (مثل نسيان الحاسوب أو الوثائق). هذا يُظهر التناقض بين الهوية الفكرية للمرأة وواقعها المُهان .
. المؤسسات الاجتماعية كفضاءات قمعية
مشهد الجامعة (“الندوة العلمية التي يشرف عليها قسم العربية”) يتحول إلى مفارقة: فبينما تتحدث البطلة عن إبداع المرأة، تُختزل هي خارج القاعة إلى جسدٍ يُنهب (“كفاك تمثيلاً… أين البضاعة؟”). هنا، تُنتقد المؤسسات الأكاديمية التي تروج لخطاب التمكين بينما تفشل في حماية النساء من العنف اليومي .
– العائلة أيضًا ليست ملاذًا: الأب الذي يشارك في تقطيع الديك (رمز الذكورة المهيمنة) يغيب لحظة الاعتداء، بينما الجدة تُطهو “كسكسي” الوليمة (دور الأنثى التقليدي). الطهي هنا يصبح استعارةً لـ “طبخ” الأنثى ضمن أدوار مُعدة سلفًا .
الجسد الأنثوي كساحة حرب
العبارة “انتي صدر” تُختزل فيها البطلة إلى جزء جسدي، بينما مشهد السيارة المُدمرة (“يمزق الكراسي… يهشم السيارة بالكامل”) يعكس تدميرًا مزدوجًا: للجسد (السيارة كامتداد له) وللهوية (“لا وثائق تسمّيني”) .
– لاحقًا، يُعاد تمثيل الجسد عبر النزيف (“دم أسود سال مني”) والغثيان المتكرر، مما يوحي بأمراض جسدية ناتجة عن كبت الصدمة، أو ربما إجهاض مُضمر (إشارة إلى علاقتها بـ “شاكر” و”رفقة”)
الغيرة والعلاقات السامة
علاقة البطلة بـ “شاكر” و”رفقة” تكشف ديناميكيات القوة: غيابه المتكرر، اتصالاته العلنية مع أخرى (“يلاطف رفقة على الهاتف”)، ثم اكتشافها لصوت “رفقة” في شقته. المشهد يُظهر كيف تُحول الصدمة المبكرة النساء إلى ضحايا لعلاقات متكررة من الإهمال .
– عبارة “نسيت نفسي وسط ضجيج خوفي” تُلخص دورة العجز: الخوف من الهجر يدفعها للتعلق بعلاقات تدمرها .
النسيان كآلية بقاء
– تكرار عبارات مثل “لم أكن أعي”، “نسيت”، و”النسيان المدمّر” يشير إلى أن فقدان الذاكرة ليس ضعفًا، بل وسيلة للهروب من واقع لا يُحتمل. لكن هذا النسيان يأتي بثمن: انفصال عن الذات (“لا شيء في الذاكرة وقتها”) .
– المفارقة أن البطلة تُذكرنا بـ “جميلة” في رواية **جنكيز أيتماتوف** (التي وردت في نتائج البحث): كلتاهما تهربان من واقع قاسٍ، لكن بينما تهرب جميلة مع حبيبها، بطلة “بابنح” تهرب إلى فراغ داخلي الرواية تتعمق في تناقضات الأنثى بين الخطاب العام (المبدعة، الأكاديمية) والواقع “المرأة التي لا تمتلك تجربة مريم، أي التي لا تنجب، لن تفهم سر الحياة” — إشارة من رواية كأنها نائمة لواسيني الأعرج ، قد تكون تعليقًا غير مباشر على معاناة بطلة “بابونح”.
par Omar Weslati