المدرسة التونسية … السد المنيع
تمثل المدرسة الخلية الأساسية في النسيج التربوي بقيادة كافة الفاعلين التربويين للاضطلاع بالأمانة التربوية المنوطة بعهدتهم وتبعا لذلك فهي تعتبر فضاء مخصصا للتربية واكتساب المعرفة وتعمل على تنشئة التلاميذ على حب الوطن والولاء له وتهدف إلى غرس قيم تثمين العلم والعمل والانخراط في مجتمع المعرفة وتنمية الحس المدني والمواطني وتعزيز الإدراك لدى الطلاب بالتلازم بين الحرية والمسؤولية ، وإعدادهم للمساهمة في بناء مجتمع يقوم على مبدإ العدل والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
ما حصل الأمس بمعهد الحمامات وما سبقه في بعض المؤسسات التربوية ليس بالحدث الجديد كما يزعم البعض تسويقه بل يرجع امتداده إلى بداية الثمانينات ولم يحسم بعد. هو تعبير صارخ عن الأزمة العميقة التي نعيشها إلى حد اليوم. ما وقع لم يكن حركة عفوية للمطالبة بمصلى داخل المؤسسة بل محاولة جدية لتأجيج المشاعر الدينية لدى أبنائنا التلاميذ وتوجيههم عن مشاغلهم الأساسية في تعليم جيد ومرفق يستجيب لمتطلبات الدراسة. لكم أن تتأكدوا من مساندة بعضهم *وصل حد تشكيل لجنة موسعة من المحامين تساند حراك إقامة مصليات بالمؤسسات التربوية * هكذا؟؟؟ في حين غاب البعض الآخر عن موقعه المدافع على المدرسة الشعبية والتعليم الديمقراطي والثقافة الوطنية….
بعيدا عن الهرطقة الفكرية والنفاق الايديولوجي ،لابد من التأكيد على ترسيخ ما أجمع عليه أغلب التونسيين من قيم التسامح والاعتدال والتفتح على الحداثة و استلهام المثل الإنسانية العليا والمبادئ الكونية في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان .
من جهة أخرى ،فقد كانت تونس خلال القرون الماضية متصدرة موقعا متقدما من أجل نشر التعليم ورفع الأمية بل كان فرسان الإصلاح ينادون بتعليم عصري وحداثي رغم الاستعمار والهيمنة العثمانية على الإيالة التونسية. واليوم تفخر المنظومة التربوية التونسية بخريجيها المتألقين في شتى المجالات العلمية والطبية والعلوم الإعلامية وغيرها في كل أصقاع المعمورة.
المدرسة في تركيبتها العضوية هي مؤسسة محافظة تتطور ببطء ولا تتأثر كثيرا بمحيطها . لقد انتظر المجتمع الفرنسي المنتفض على المنظومة الملكية قرنا وعقدا من الزمن لتصبح المدرسة الفرنسية مدنية وجمهورية ومنفصلة عن الكنيسة بعد صراع مرير مع المنظومة الملكية ورغم ذلك مازالت إلى اليوم بعض مدارسها في المتروبول أو مستعمراتها إكليركية.
ماحدث بالأمس بمعهد الحمامات لا يمكن أن يكون الشجرة التي تحجب الغابة بل لابد من البحث العميق عن الأسباب التي أدت إلى ذلك وضرورة تدخل كل الأطراف لحل الإشكال بإسناد من سلطة الإشراف. تونس الجمهورية المدنية الحداثية التي تجاوزت خلايا مدرسة الرقاب و رسمت ملحمة بنقردان عصية على قوى الردة التي تسعى لزرع الفتنة والفرقة بين أبنائها.